الشاعرة المغربية ريم نجمي تتحدث لـ (الزمان)عن أزرق سماوي:
أبطال الأساطير يعيشون داخل المرآة
أجرى الحوار: عبد الحق بن رحمون
ريم نجمي شاعرة مغربية ذات الـ: 22 ربيعا، ولادتها وحبوها وطفولتها كانت كلها في ساحات ومهرجانات الشعر، من هنا تولَّد فيها هاجس عشق الشعر، والإنصات له، ومن هنا كتبت خربشاتها الأولي.هل هو الجو العائلي الذي ساعدها لتكون شاعرة، سيما أن والدها حسن نجمي شاعر، ووالتدتها عائشة البصري شاعرة، ومعلوم أن ابن البط عوام، ويجيد السباحة في بحور قصيدة التفاصيل، كما في حالات الأشياء الصغيرة. لذا عند صدور باكورتها الأولي: "أزرق سماوي" استقبلت الأوساط الثقافية عملها الشعري بحفاوة، وكتب النقاد عن هذه التجربة الواعدة، وليس ذلك مجاملة، وإنما لأن العمل الشعري الذي تناولوه بالدراسة والتحليل، يستحق التشجيع والتنويه، ومن ثمة نالت ريم نجمي وسام الانضمام إلي كوكبة الشعراء المغاربة والتوقيع علي جمرة الشعر، لتحملها في كفها، ملتهبة، متوسلة أن تكون لها بردا وسلاما.وريم نجمي شاعرة شابة، لها طموحها في كتابة القصيدة، كما لها طموح لتكون إعلامية ووجها بارزا في مهنة المتاعب والمصاعب، وإلي جانب ذلك فهي هاوية حد الجنون لتعلم عدة لغات قراءة وكتابة. ونلتقي مع ريم نجمي في هذا الحوار المشوق والجريء الذي تكشف فيه لـ: (الزمان) عن إعجابها الشديد بوالدها الشاعر حسن نجمي، ومدي تأثيره فيها، وفضله عليها في إنارة طريق الشعر لها. هذا الطريق المحفوف بالورود وغير ذلك، إذ بالموهبة والجهد والطموح يتحقق كل ما تطمح إليه. وفي هذا الحوار تكشف لنا أسرارها وانشغالاتها بكل تلقائية، وجرأة متناهية وشفافية مثل " أزرق سماوي"، وبذلك ستعترف أن انشغالاتها مع الورق هي فقط للأفكار التي تأتي علي غفلة، وذلك في حالة ما إذا لم تتوفر لها الظروف للإختلاء بكومبيوترها العزيز. وقالت: تعجبني الكلمات وهي مضاءة ومصففة علي الشاشة. لكن مع ذلك لدي إحساس أني جئت في العصر الذي لا يلائم اهتماماتي وأذواقي التي تبدو أنها مختلفة تماما عن أبناء جيلي.وفيما يلي إليكم متابعة ممتعة مع هذا الحوار:
· ريم متى كانت ولادتك مع الشعر ؟
أظن أن ولادة الشعر لحظة مبهمة وضبابية في حياة الشعراء.فقد لا يستحضرون بالضبط أول قصيدة كتبوها.لكني -بخلاف ذلك- مازال مشهد القصيدة الأولى واضحا في ذاكرتي:كنت في الخامسة من عمري عندما قلت لأبي إني أرغب في كتابة قصيدة مثله عن إحدى الشخصيات السياسية المغربية، التي خلقتْ الحدث في تلك الفترة(1992)، فأمسك أبي بالقلم ودوّن الكلمات والجمل التي قلتها له بلغة عربية فصيحة. ربما كان في ذلك الفعل رغبة من طفلة في تقليد الأب أكثر منه اختيارا شعريا. منذ تلك اللحظة لا أذكر أني تخليت عن فكرة الكتابة. سكنني الشّعر في كل المراحل.لليوم مازلت أحتفظ بدفاتري القديمة بأوراقها الصفراء، وفيها قصائد كتبتها عن معلماتي وعن صديقاتي المقربات وعن الطبيعة...وغيرها من المواضيع التي يمكن ان تشغل طفلة في ذلك السّن. فصاحبتني هذه العادة الجميلة إلى أن كبرتُ وكبرت معي قصيدتي.
· قصائدك في ديوانك " أزرق سماوي " على شكل شذرات ، لماذا هذا التقتير في الجمل الشعرية ؟
ربما لم يكن ذلك اختيارا إراديا. ينبغي أن أعترف أن لحظة كتابتي لقصائد ديوان "أزرق سماوي" كان لي نفس قصير في الكتابة.أضف إلى ذلك أني أخاف من الحشو اللغوي و أفضل أن أوصل المعنى بأقل الكلمات.كما أحرص على الاشتغال على القصيدة بعد الكتابة الأولية. بمعنى أني أقوم بعملية تشذيب وشطب للجمل الشعرية التي أرى أن وجودها داخل القصيدة لن يضيف أي جمالية لها، وأترك في الأخير الجمل الشعرية القوية. وقد لاحظتَ في الديوان وجود قصائد عبارة عن جملة شعرية واحدة... في الأصل كانت تلك الجمل جزءا من قصيدة طويلة، وبعد دخولها المطبخ الشعري، صارت ما هي عليه في الأخير.وقد وجدْتَنِي هذه الأيام مسكونة بهذا السؤال بالذات: ففي ديواني الجديد -الذي أنا بصدد تحضيره- تخليت شيئا ما عن هذا التكثيف اللغوي،وصرت أكتب قصائد طويلة مقارنة بتلك التي كتبتها في السابق.ولا أخفيك أني أعاني من أنانية الشاعر الذي يتمسك بكل كلمة في قصيدته ،وخائفة أيضا من هذه المغامرة الجديدة أيضا.
· أعلم أن دراستك اتجهت إلى الإعلام ... ألا تعتقدين أن ذلك سيشكل لك نوعا من الابتعاد من الكتابة الإبداعية والتي تحتاج لأن توضع على نار هادئة تحت الجمر
لا أعتقد ذلك، الأمر يتعلق في الأول والأخير بفعل الكتابة رغم الاختلاف في الطريقة.كما أني أؤمن أن هناك أشياء لا يمكن التعبير عنها من خلال القصيدة، ويكون من الأفضل أن تُكتب على شكل نثر.أظن أن الإصرار على تحميل القصائد أكثر مما تحتمل يُفسد الشعر...شعراء كبار اشتغلوا في الصحافة او على الاقل أسهموا بجزء كبير في الكتابة الصحفية إما من خلال أعمدة أو مقالات نقدية.ولا أعتقد أنه من الصدفة أن الكثير من الشعراء والكتاب يحترفون مهنة المتاعب.ما يمكن أن أقول إني أتمنى أن تتغذى كتابتي الصحفية من تقنيات الكتابة الشعرية.ويبقى الأهم أن يكون النص جيدا.
· ريم ولدت في بيت شعر ، الأب شاعر والأم شاعرة ، طيب ، هذا لايمنع من أنك تأثرت بهما وتسيرين على نهجهما، لكن هذا لا يمنع لكي يجعلك تثورين في البحث عن ناصية حداثة تتماشى مع طموحاتك في طريقة عيشك في الحياة والكتابة ؟
طبعا لا يمكن ان أستبعد أني تأثرت بوالدي معا...وربما بأبي على الخصوص وبأحاديثه الدائمة عن الكتابة الشعرية، ولا أخفيك أني كنت كثيرا ما أسترق السمع لما يقوله في أحاديث ثنائية مع شعراء آخرين أو في نقاشات جماعية عن قصيدة النثر الناجحة والمعايير التي تحددها.مثلا كون العبارات الجاهزة تقتل القصيدة،والاهتمام بالخاتمة أوبالجملة الشعرية الأخيرة ،و الابتعاد عن القصائد الخطابية والسياسية المفتعلة...وغيرها من الأفكار التي كنت أختزنها في ذاكرتي الصغيرة واستحضرتها مرارا أثناء كتابتي للقصيدة.أما ما قلته عن إمكانية البحث عن طريق جديدة في الكتابة بعيدا عن الأب والأم،فأنا أعتقد أن كتابتي الشعرية بعيدة عن تجربتي حسن نجمي وعائشة البصري، فلم يشرأي ناقد- لحد الان- ممن تناولوا مجموعتي الشعرية بالدراسة بأن هناك تقاربا أو تشابها بين قصائدي وتجربة والدي الشعرية.تبقى فقط بعض التعليقات الشفوية أوالدعابات التي تصر على أن قصائدي ربما تشبه قصائد أمي أو ربما تشبه قصائد أبي .وعلى كل حال أتمنى ان أصل إلى مكانتهما.ولكي أكون صريحة معك:حسن نجمي أكثر حداثة مني.
· إنك في قصائدك مشغولة كثيرا بميكي ماوس وحذائك. هل هناك أشياء أخرى تأخذ من تفكيرك المشاغب ... بعيدا عن القضايا الكبرى والتي يراها البعض استهلكت في الشعر العربي ؟
المرايا.كثيرا ما تشغل المرايا بالي ،سواء في الكتابة الشعرية أو حتى في الحياة. المرآة رغم أنها فضاء ضيق في الواقع الملموس،الا أنها تعطي للقصيدة فضاءات واسعة للأفكار الشعرية الجميلة.عندما كنت طفلة اعتقدت دائما أن هناك حياة أخرى داخل المرآة لا ندركها. اعتقدت كذلك أن أبطال الأساطير والقصص التي كنت أقرأها يعيشون داخل المرآة... مرارا كنت ألصق وجهي بالمرآة لأمعن النظر خاصة على جوانبها، علني أحظى بفرصة لقاء ملك الغابة أو" بياض الثلج" وأقزامها السبعة.
· وأنا أقرأ قصائد ديوانك أراك مثل سنونو أو مثل طائر مهاجر، لا يستقر في مكان واحد... شديد السفر ، هل تلك الفضاءات التي ذيلت بها قصائدك هي من ألهمتك ، وتركت فيك عطر ذاكرتها ؟
ربما يكون انطباعك صحيحا،أكيد أن بعض الأمكنة لا تؤثر فقط في النفس، بل تلامس القلب أيضا.السفر في حد ذاته يفتح للشاعر وللإنسان عموما أفاقا جديدة،ويرشده إلى أبواب داخل روحه لم يكن هو نفسه يدركها.لكنني شخصيا لم أشعر أن الأمكنة التي كتبت فيها قصائدي كانت هي من قادتني لكتابة تلك القصائد،بل أؤمن بأن الأمكنة هي الأشخاص الذين يتواجدون فيها.التواصل الانساني هو الذي يعطي للأمكنة ذلك الدفء و ذلك السحرأو على العكس تعطي البرود والنفور.العام الماضي قضيت في ألمانيا أربعة شهور، كتبت خلالها قصائد بوثيرة لم يسبق أن كتبت بمثلها من قبل.لكن اذا قرأتَ هذه القصائد لن تدرك -إن انا لم أذيلها بالمكان- أنها كُتبت في ألمانيا. أحاول شيئا ما أن أبتعد عن القصائد السياحية.
· بودي أن توضحي للقارئ في ما تفكرين فيه، سيما أنك من جيل جديد ( الألفية الثالثة) له أفكار وأحلام تشبه إلى حد كبير مستقبل العالم الذي صار الآن مثل الضغط على زر الحاسوب ؟
طبعا لي الحظ أني أعيش عصر وسائل الاتصال المتطورة والمتنوعة. أفكر باستمرار كيف كان للإنسان أن يعيش دون أنترنيت أو هاتف محمول. شخصيا أكتب قصائدي ونصوصي مباشرة على الكومبيوتر،حتى أني خلقتُ معه ألفة وعلاقة حميمة. يبقى الورق بالنسبة لي فقط للأفكار التي تأتي على غفلة، أو في حالة ما اذا لم تتوفر لي الظروف للإختلاء بكومبيوتري العزيز.تعجبني الكلمات وهي مضاءة ومصففة على الشاشة. لكن مع ذلك لدي احساس أني جئت في العصر الذي لا يلائم اهتماماتي وأذواقي التي تبدو أنها مختلفة تماما عن أبناء جيلي.حتى أني لم أشعر أبدا أن برامج الشباب في التلفزيون تخاطبني. وعندما أقوم بمحاولات "للإندماج" أشعر وكأني مفتعلة أوأمثل دورا لا يناسبني.لذلك لا أعتقد ان أفكاري شبيهة بما يفكر فيه الشباب اليوم.عندما يكون الحديث عن أفكار و أحلام الشباب ، أجدني لا أملك أية أفكار في هذا الباب.أفكاري في مكان آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق