2009-12-08
أجرى الحوار: إبراهيم الحجري
تعتبر ريم نجمي من أصغر الشاعرات المغربيات سنا، لكن لغتها وخطابها الشعري ينمان عن خصوبة في الرؤيا، وتنوع في المرجعيات، وانفتاح في استيعاب القضايا والأسئلة الإنسانية التي تتعقد وتتنوع. ورغم غضاضة سنها، فهي ترحل من رومانسية رقيقة إلى عالم تعرف أنه مغمور بالفوضى واللاتوازن، لتعجن أحلامها بالأمل والألم تواقة إلى كون أرحب يتسع لحلم القصيدة.. التقيتها بالرباط فخصت "العرب" بالحوار التالي..
1- كانت علاقتك بالشعر، منذ البدء، علاقة وطيدة من خلال بروزك في أسرة شاعرة، ووسط مثقف، فرضعت الشعر مع الحليب. هل كان هذا الوازع الوحيد لاختيار جزيرة القريض أم هناك دواع أخرى؟
حقيقة لا اعرف إذا كان خيار الكتابة الشعرية في حد ذاته خيارا واعيا و إراديا، لكن بلاشك كان للبيئة التي نشأت فيها دور أساسي في تشكيل وعيي الشعري والأدبي على العموم: النقاش الثقافي لم يكن غائبا عن بيتنا،تواجدي باستمرار داخل الوسط الثقافي، حضوري للأنشطة والملتقيات الثقافية...كلها عوامل ساهمت في صقل الخيار الشعري. لكن لا أخفيك أن سؤالك هذا جعلني أطرح على نفسي السؤال: هل كنت سأصير شاعرة لولا تواجدي في هذا الوسط؟ ربما نعم، لكن لا اعتقد أني كنت سأكتب قصيدة بالشكل الذي اكتبه الآن، لأنني أستحضر دائما أثناء الكتابة كل ما تعلمته من أبي وكل ما تعلمته من الشعراء الكبار الذين كانت لي فرصة الالتقاء بهم والتحدث إليهم، من المغاربة والعرب والأجانب.
2- تتضمن قصائدك الواردة في المنجز الأول نبرة رومانسية واضحة، لكنها مع ذلك تذهب بعيدا في استبطان السؤال والقضية الإنسانيتين. هل لهذا علاقة بالسن والمرحلة العمرية؟ أم أن الشعر يختار موضوعاته قسرا؟
أكيد أن المرحلة العمرية عامل من العوامل التي تساهم في تشكيل الموضوع الشعري: الاهتمامات في مرحلة الشباب مثلا تختلف عن الاهتمامات في سن متقدمة وناضجة. عندما كنت طفلة كنت أكتب قصائد محصورة داخل عوالم المدرسة والمعلمات والصديقات والورود والربيع...وغيرها من الموضوعات التي من الممكن أن تشغل طفلة في ذلك العمر.بمعنى أن الشعر يعبر عن انشغالات الشاعر واهتماماته. داخل هذه الدائرة من الاهتمامات والانشغالات لا اعتقد أن الشعر يختار موضوعاته قسرا، شخصيا لا أؤمن كثيرا بمسألة الإلهام الشعري،صحيح أن هناك قصائد تأتي عفو الخاطر وتكون وليدة لحظة معينة نعيشها ، لكن هناك لحظات أخرى نقرر فيها أن نكتب قصيدة عن موضوع معين، وقد نشتغل على هذا الموضوع بالقراءة وبالبحث الدقيق حتى تكون القصيدة في مستوى يرضي الشاعر.
3- كثير من الشاعرات العربيات يقطفن شهرتهن على حساب لغة العراء، والحميميات، واستباحة الطابوهات. كيف تعلقين على هذا الوضع؟ وهل هو ظاهرة صحية؟
هناك شاعرات يوظفن عنصر الجسد داخل القصيدة. وهناك شاعرات يوظفن هذا العنصر لأغراض غير شعرية، وهذا أمر لا يهمني.أما عن توظيف المادة الجسدية داخل القصيدة فأجده أمرا صحيا تماما شرط أن لا يكون مفتعلا و أن لا تكون الصور الايروتيكية داخل القصيدة صورا مجانية. قلت لك قبل قليل إن الشاعر يكتب انطلاقا من انشغالاته اليومية، واعتقد أن الجسد وكل العناصر الأخرى المرتبطة به هي جزء منه ومن الحياة، لا يمكن للشاعر إغفالها أو تجنبها. لغة الجسد تفتح للقصيدة أبعادا وآفاقا واسعة من الإبداع قد لا يوفره عنصر آخر. إن إغراق القصيدة مثلا في الانشغال السياسي والإيديولوجي،رغم قيمته ونبل مقاصده ،قد يجعل سقف القصيدة خفيضا و يصيبها بالاختناق.ولذلك لم ينجح إلا عدد قليل من كبار شعراء العالم في تحويل المادة السياسية إلى نعومة شعرية حية وقوية من أمثال محمود درويش وسعدي يوسف وريتسوس وبابلو نيرودا...
4- يساهم استسهال الشبكة العنكبوتية على مستوى النشر في دعم الرداءة والضعف. كيف يمكن القضاء على هذا السخف؟ ومن يحمي المبدع الحق من الاستهلاك والاستبعاد؟
عندما أفكر في مسألة النشر على الانترنيت، أجدني حائرة شيئا ما، فالانترنيت صارت منبرا لمن لا منبر له، أعطت فرصة للشباب في إخراج إبداعاتهم إلى النور و وسمحت لهم بالتواصل مع قراء من نوع خاص. وهذا في رأيي أمر ايجابي. في نفس الآن أفكر في كيفية التعامل مع نوعية الكتابات التي تخلو من حس المسؤولية، لكن أقول في الأخير إن مستوى انتشار كاتب أو شاعر الانترنيت محدود مقارنة مع الكاتب الذي له وجود حقيقي وملموس وله إصدارات منشورة.هناك بعض الكتاب ليس لهم حضور سوى كأسماء في الانترنيت ولا وجود لهم خارج هذا الفضاء الالكتروني،وكأنهم كائنات افتراضية.أما بالنسبة لسؤالك الثاني فأعتقد أن المبدع محمي بإبداعه.فإن كان عمله متميزا وفي مستوى الإبداع الحقيقي، فهو بلاشك حاضر و لا أظن انه سيكون متضررا من مسالة النشر و الانتشار عبر الانترنيت.
دعني أقل لك بكل صراحة إن المشكل ليس مشكلة انترنيت أو نشر ورقي،وإنما يتعلق الأمر بمدى تحقق المستوى الإبداعي المنشود. المهم أن تكتب قصيدة جميلة ولو على حائط عمومي.
5- كيف ترين المشهد الشعري العربي في العصر الراهن؟ وما موقع القصيدة المغربية ضمنه؟
دعني أتحدث عن نقط الضوء في المشهد الشعري العربي الذي أنظر إليه بكثير من التفاؤل.هناك شعراء شباب يكتبون قصائد جديرة بالإعجاب والتنويه.هناك شاعرات أيضا يشكل حضورهن الشعري إضافة نوعية لهذا المشهد.هذا على المستوى الشعري. أما على مستوى تداول الشعر العربي فباستثناءات قليلة معروفة، يبقى الشعر شأن جل الفنون الأخرى فنا نخبويا وهذه ظاهرة ليست مرتبطة بالعالم العربي وإنما هي ظاهرة عالمية،لذلك فأنا لا يزعجني هذا الأمر. يكفي أن نكتب الشعر الجيد إن استطعنا إليه سبيلا،سواء لغيرنا أو لأنفسنا نحن الشعراء.تصور لو أن العدد المتداول من الشعراء في الوطن العربي قرؤوا لبعضهم البعض لما تحدث أحد عن أزمة قراءة شعرية.هناك من يتحدث عن خمسة آلاف أو عشرة آلاف شاعر وشاعرة في الأقطار العربية . ما بالك بما يزعمه أشقاؤنا الموريتانيون عندما يتحدثون عن بلد المليون شاعر !
أما بخصوص القصيدة المغربية فأظن أنها قصيدة حققت تراكمات نوعية، وأعطت أسماء شعرية مهمة في الساحة العربية. لقد كان لقصيدتنا المغربية حظ الاستفادة من تراكمات القصيدة المشرقية وتحققات القصيدة الغربية .
6- كيف استقبل النقاد باكورتك الشعرية الأولى؟ وهل يمكن للنقد –في نظرك- من تقويم التجربة لديك أم أنه مجرد دافع معنوي؟
استقبل النقاد عملي الشعري الأول باهتمام ملحوظ أسعدني كثيرا وعلمني كثيرا.كل المقالات التي تناولت قصائدي بالدراسة تناولتها بنقد ايجابي، حتى إني لم أتلق لحد الآن نقدا سلبيا،كل ما تلقيته هو الإطراء وأحيانا بعض الإطراء الذي أفزعني.وأظن أن كل شاعر مهما بلغت مكانته الأدبية يحتاج باستمرار إلى وجهات نظر نقدية تواكب عمله الشعري.مهما كانت مكانة الشاعر فهو دائما في حاجة إلى ناقد يرشده إلى مكمن القوة أو الضعف في نصه،بمعنى أن الشاعر يحتاج إلى ناقد جيد يطور معه نصه الأدبي،مثلما يحتاج إلى متلق جيد يعطي لنصه معاني جديدة.
7- ما الطرائد القادمة في مشروعك الشعري؟
اشتغل الآن على عمل شعري ثان لم احدد له بعد عنوانا معينا، تقريبا هو جاهز للنشر ، لكن لا أخفيك أني أعيش حالة من الخوف في إخراجه ، رغم أن الشاعر العربي الكبير بول شاوول قال لي إن هذا الإحساس هو ظاهرة صحية وايجابية.
كما قلت لك سابقا تلقى ديواني الأول الكثير من التنويه، لذلك أحس بمسؤولية كبيرة. كما أني لا أريد أن أخذل من توسم في شعري خيرا.
8- ماذا يعني أن تكوني شاعرة في عصر المعلوميات والتهافت على الماديات؟
لم أفكر في سؤال كهذا من قبل. ربما لأن الشعر لم يكن اختيارا إراديا، وواعيا. ربما الشعر هو الذي اختارني وقادني إلى عالمه العميق والجميل والغامض أحيانا.عندما كنت طفلة انجذبت إلى هذه اللعبة اللغوية التي يتيحها الشعر، اللعب بالحروف وبالكلمات وبالمعنى.واليوم أحس برغبة في التعبير عن الذات عما أحسه و أعيشه وأشاهده في هذه الحياة، بكل ايجابياتها وسلبياتها فلم أجد وسيلة أصدق وأمتع من الشعر.
في الحقيقة ، علينا أن نهتم بالأسئلة التي تطرحها علينا القصيدة من داخل سيرورتها الخاصة.أشكرك على السؤال وإلحاحك على ما يشبه المفارقة بين هشاشة الشعر وعنف محيطه المادي ، لكنني أخشى أن يكون سؤالك من خارج القصيدة قد يكون عالم الاجتماع أو الانتروبولوجي مؤهلا أكثر مني ليجيب عن هذا السؤال.
9- أي دور منوط بالشعر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ضوء انهيار كبير للأخلاق والقيم؟
إن للشعر منطقا غير المنطق الأخلاقي،مثلا يقال أطيب الشعر أكذبه، فالشاعر الحقيقي هو الشاعر الذي يستطيع أن يكذب و يبالغ في تصويره للأشياء التي من حوله.
إن خضوع الشعر لضوابط إيديولوجية أو دينية أو أخلاقية قد يقتله أو يفسده، فالشعر الذي يكون متحررا من كل القيود يكون شعرا مفتوحا على عوالم متعددة ، يكون شعرا إنسانيا عميقا و حرا. طبعا من المهم للشاعر أن يكون على خلق، كأن يكون متواضعا أمام بذخ وتعقيد العالم الذي يعيش فيه ، حتى تشبهه قصيدته .
من الصعب أن يكون الشاعر مبدعا خلاقا للجمال وفي نفس الوقت واعظا دينيا أو رجل سياسة يحمل مشروعا إصلاحيا.على الشاعر أن يعرف حدوده في الكتابة وفي الواقع.